بذلت حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي منذ توليها السلطة في مايو 2020 جهوداً حثيثة لاستيعاب غضب الشارع، حيث اتخذت عشرات القرارات الإصلاحية للتغلب على الأزمات المركبة التي تواجهها البلاد، وذلك اتساقاً مع الطبيعة المختلفة لهذه الحكومة، والتي تجعلها تتمايز بشكل لافت عن الحكومات السابقة. وعلى الرغم من ذلك، لم تفض تلك المحاولات إلى تفكيك الأزمات التي تعاني منها العراق، ليتصاعد في ضوء ذلك الحديث عن فشل النظام البرلماني الذي تتم من خلاله إدارة العملية السياسية في البلاد.
مؤشران أساسيان:
انعكس تجدد المطالبات بتبني نظام حكم بديل للنظام البرلماني في مؤشرين أساسيين، هما:
1- تأكيد الرئيس صالح على أهمية تبني منظومة حكم جديدة: قال الرئيس العراقي برهم صالح، في 31 ديسمبر 2020 في كلمة له بمناسبة العام الجديد، أن "الأزمات المتتالية والتحديات تؤكد حجم وحقيقة الخلل البنيوي في النظام القائم وطريقة الحكم، وأن المسئولية التاريخية والوطنية تقتضي العمل الجاد على إنهاء دوامة الأزمات التي تعصف ببلدنا"، وأضاف: "يستوجب ذلك منا الإقرار بأن منظومة الحكم التي تأسست بعد عام 2003 تعرضت إلى تصدع كبير، ولا يُمكنها أن تخدم المواطن الذي بات محروماً من أهم حقوقه المشروعة، لذا فنحن بحاجة ماسة إلى عقد سياسي جديد يؤسس لدولة قادرة ومقتدرة وذات سيادة كاملة". وتابع الرئيس العراقي: "من غير الممكن أن يتحمل المواطن العراقي ضريبة الصراعات والإخفاقات السياسية والفساد إلى حد التلاعب بقوته اليومي".
2- دعوات بعض المسئولين السابقين لتغيير نظام الحكم الحالي: على نحو عكسته تغريدة نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق بهاء الأعرجي، في أول يناير الجاري، والتي قال خلالها: "أقولها بصراحة لقد ثبت فشل الدولة التي بُنيت بعد عام 2003 وهى غير قابلة للترميم، فعلى قادتها أن يتحلوا بالشجاعة ويشرعوا بإزالتها وبناء دولة ذات أسس وطنية بعيدة عن القومية والطائفية"، وأضاف: "دولة يكون لها جيش مستقل ليحميها ومبدأ للمواطنة يسود فيها وإلا فإنها ستزول ويكون مصيرها المجهول".
تحركات سابقة:
ظهر الحديث عن فشل النظام البرلماني في العراق بشكل بارز للمرة الأولى من خلال التحركات التي قامت بها بعض الرموز السياسية والدينية في البلاد في الاحتجاجات المكثفة التي شهدتها البلاد في أواخر عام 2019، وتمثلت أهم مؤشرات ذلك فيما يلي:
1- دعوة المرجعية لإجراء استفتاء عام لتحديد طبيعة النظام السياسي: دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني، في خطبة الجمعة التي تلاها ممثله أحمد الصافي في كربلاء في أول نوفمبر 2019، الشعب العراقي إلى إجراء استفتاء عام لتحديد طبيعة النظام السياسي في البلاد، حيث قال السيستاني إن "احترام إرادة العراقيين في تحديد النظام السياسي والإداري لبلدهم، من خلال إجراء الاستفتاء العام على الدستور والانتخابات الدورية لمجلس النواب، هو المبدأ الذي التزمت به المرجعية الدينية، وأكدت عليه منذ تغيير النظام السابق".
2- مطالبة العامري باستبدال النظام البرلماني الحالي: قال رئيس تحالف الفتح هادي العامري في أول نوفمبر 2019، أن استبدال النظام البرلماني بعد ثبوت فشله بات ضرورة ملحة، وشدد على أهمية إعادة صياغة العملية السياسية من جديد. وقال العامري في بيان له: "مع احترامي الشديد لكل المبادرات السياسية الصادقة والمخلصة لإيجاد حل لمطالب الشعب العراقي والتي عبر عنها أبنائنا المتظاهرون، نرى الحل الحقيقي يكون في ضرورة إعادة صياغة العملية السياسية من جديد تحت سقف الدستور ومن خلال إجراء تعديلات دستورية جوهرية".
3- تشكيل لجنة لتعديل الدستور: مرر البرلمان العراقي، في 28 أكتوبر 2019، قانوناً يقضي بتشكيل لجنة لتعديل الدستور، ومن بين المواد الدستورية التي كان يُفترض أن يتم بحث تعديلها تلك المواد المتعلقة بشكل النظام السياسي في العراق، وإمكانية تحوله من برلماني إلى رئاسي أو شبه رئاسي. وبرغم مرور أكثر من عام على تشكيل تلك اللجنة، إلا أنها لم تقدم أى مقترحات جادة بشأن التعديلات الدستورية رغم أنه كان من المفترض أن تُكمل هذه اللجنة مهمتها بعد أربعة أشهر من تشكيلها.
سببان رئيسيان:
يمكن القول إن ثمة سببين رئيسيين وضعا عقبات أمام التطبيق الصحيح للنظام البرلماني في العراق: يتمثل الأول، في الحكم وفقاً لتمثيل المكونات وليس المواطنة، حيث كرَّس الاحتلال الأمريكي عام 2003 مبدأ المحاصصة في الحكم من خلال توزيع السلطات على أساس المكونات، وليس على أساس المواطنة، وهو ما دفع أطرافاً عديدة إلى رفض التوجه نحو تغيير النظام الحالي القائم في البلاد، لتجنب فقدان المكتسبات التي حصلت عليها من خلاله.
ويتعلق الثاني، بالفشل في إنتاج حكومة أغلبية قوية نتيجة المحاصصة الطائفية، فبعد أربعة دورات انتخابية لم ينجح النظام البرلماني في العراق في تأسيس حكومة أغلبية سياسية قوية، وكل ما خرجت به العراق هو حكومات قائمة على المحاصصة الطائفية، على نحو ساهم في انتشار الفساد المالي والإداري في البلاد، ووضع صعوبات أمام مراقبة ومحاسبة المسئولين الفاسدين بسبب المحاصصة السياسية. وقد كانت الأزمات التي عانت منها العراق أحد المتغيرات التي ساهمت في تصاعد نفوذ تنظيم "داعش" الإرهابي على الساحة العراقية منذ منتصف عام 2014، قبل أن يتم إعلان الانتصار عليه بعد العمليات العسكرية التي قام بها التحالف الدولي ضد التنظيم بالتعاون مع القوات العراقية.
وعلى ضوء ذلك، يبدو أن تغيير النظام السياسي القائم في العراق سوف يتحول إلى محور رئيسي للتفاعلات التي تجري بين القوى السياسية المختلفة خلال المرحلة القادمة التي تشهد استحقاقات سياسية مهمة، وعلى رأسها الانتخابات البرلمانية المبكرة في 6 يونيو المقبل.